بداية الطريق لتعرف نفسك، أن تعرف ماذا تفعل في حياتك..
كثيرون جدًا من البشر لا يعرفون ماذا يفعلون في حياتهم..
لا يدركون تمامًا ما يفعلونه في حياتهم.. بل هم موجودون فقط..
يقول أوسكار وايلد:
أن تحيا ذلك شيء نادر الحدوث. الحقيقة أن معظم الناس متواجدون فقط، هذا كل شيء.
هل تعيش أم تتواجد فقط؟
سؤال لا يسأله الناس لأنفسهم، ولو فعلوا ذلك كل يوم، ما كان أحد في حاجة إلى حكمة الحكماء، ولا كان هناك ضعف أو اكتئاب أو فشل أو حزن أو غير ذلك من المشاعر السيئة.
اسأل نفسك كل يوم صباحًا:
هل أعيش أم أتواجد فقط؟
يذهب أحدهم إلى عمله كل يوم، ويعمل طوال اليوم، وآخر النهار يعود إلى بيته منهكًا من كثرة العمل، فيقضي بقية ليلته مع أسرته في المعتاد من السلوكيات الاجتماعية، يوم حافل بالأحداث لكنه غير سعيد على الإطلاق..
لماذا؟
لأنه يتواجد في العمل، لكنه لا يحيا العمل!!
كيف؟
إنه لا يشعر به.
لا توجد لديه رؤية لهذا العمل.
لا يحبه بالشكل الذي يجعله يفكر فيه ليل نهار.
لا يطمح في أن يتفوق فيه إلا بالقدر الذي يحدث معه فارقًا ماديًا.
لا يهتم كثيرًا إن ترك تلك الشركة لينتقل إلى غيرها.
لن يحزن لو ترك هذا العمل واشتغل بغيره.
ببساطة لا يكرس حياته لهذا العمل..
وما المشكلة في ذلك؟
ألا يعمل باجتهاد؟
ألا يؤدي ما عليه من واجبات تجاه هذا العمل؟
نعم كل هذا صحيح، لكن المشكلة كبيرة، لأنه لا يشعر بحياته في عمله، تعالوا نتخيل الفارق بين إنسان يعمل وإنسان يحيا بعمله، الأول سيؤدي ما عليه من التزامات، وسيجتهد في إنجاز أعماله، وعندما تنتهي فترة العمل، ينتهي نشاطه، وتنتهي علاقته بالعمل.
والثاني يفعل ما يفعله الأول تمامًا، لكنه مشغول بتطوير عمله، وتطوير نفسه، فتراه يحاول الاشتراك في أي دورات تدريبية تفيده في مجال عمله، يستعين بكل خبرة تمكنه من التفوق على نفسه وعلى الآخرين، يستطيع أن يتخيل نفسه وعمله بعد عشر سنوات أو عشرين سنة من هذه اللحظة، الأول قد يزيد دخله المادي، وقد يترقى في عمله، لكنه سيأتي وقت لا يستطيع أن يقدم لعمله ما كان يقدمه، وبالتالي يصبح غير ذي فائدة، أما الثاني فهو يحيا بالعمل، رؤيته تشكل أساسًا لا يمكن للعمل أن يستغني عنه، فكره يبني ويقدم جديدًا كل يوم، فمها تقدم به العمر لا يستغني عنه عمله أبدًا، وفائدته لا تنتهي أبدًا..
مثال آخر على الحياة أو مجرد التواجد..
كم أمًا وجدت وعاشت على سطح الكرة الأرضية في تاريخ البشرية؟!!
أو كم أمًا توجد على سطح الكرة الأرضية الآن؟!!
الملايين، عشرات الملايين، بل مئات الملايين..
ولكن كم واحدة منهن كانت أمًا عظيمة أنجبت أبناء عظماء؟!
كم أمًا استطاعت أن تؤثر في أبنائها لدرجة أن تغير من مسار حياتهم؟!!
هل تشعر كل أم بقيمة عملها؟
هل تحرص كل أم على أن تربي أولادها بالشكل الصحيح، لتخرج رجالاً عظماء ونساء عظيمات؟!!
هل تفكر كل أم كل صباح وهي تعد لأبنائها إفطارهم بأن هذا اليوم هو يوم في حياة أبنائها؟ وأن هذا الإفطار سيبني جزءًا من أجسادهم؟
هل تفكر كل أمّ كل صباح فيما ستقوله لأبنائها هذا اليوم لتبني به جزءًا من عقولهم وشخصياتهم، فتقربهم من الطريق الوحيد للنجاح والمجد؟
إن لم تفعل ذلك فهي تتواجد كأم، لكنها لا تحيا كأم!!
لا يتوقع لها أحد أن تشعر بالسعادة من دورها كأم، لأنها لا تشعره ولا تعيشه، هي تتواجد فيه فقط، ولا تفكر فيه أو في نتائجه..
سر السمك المشوي..
جلست الزوجة تحدث زوجها عن زيارتها لصديقتها وأنها قدمت لها طبقاً من السمك المشوي لم تذق مثله من قبل, فطلب الزوج من زوجته أن تأخذ الطريقة ليذوق هذا الطبق الذي لا يقاوم. اتصلت الزوجة وبدأت تكتب الطريقة وصديقتها تحدثها فتقول " نظفي السمكة ثم اغسليها، ضعي البهار ثم اقطعي الرأس والذيل ثم أحضري المقلاة .." هنا قاطعتها الزوجة: ولماذا قطعتي الرأس والذيل؟
فكرت الصديقة قليلا ثم أجابت: لقد رأيت والدتي تعمل ذلك! ولكن دعيني أسألها. اتصلت الصديقة بوالدتها وبعد السلام سألتها: عندما كنت تقدمين لنا السمك المشوي اللذيذ لماذا كنت تقطعين رأس السمكة وذيلها؟ أجابت الوالدة: لقد رأيت جدتك تفعل ذلك! ولكن دعيني أسألها. اتصلت الوالدة بالجدة وبعد الترحيب سألتها: أتذكرين طبق السمك المشوي الذي كان يحبه أبي ويثني عليك عندما تحضرينه؟
فأجابت الجدة : بالطبع، فبادرتها بالسؤال قائلة: ولكن ما السر وراء قطع رأس السمكة وذيلها؟ فأجابت الجدة بكل بساطة وهدوء: كانت حياتنا بسيطة وقدراتنا متواضعة ولم يكن لدي سوى مقلاة صغيرة لا تتسع لسمكة كاملة.
وهكذا في حياتنا، نفعل الكثير من العادات ونعيش كما عاش غيرنا، أقصد نتواجد كما تواجد غيرنا، لكننا لا نشعر بالحياة لأننا لا نفهمها، يجب أن نفهم كل شيء حولنا، يجب أن نرى بوضوح حياتنا، ماذا نريد؟ وإلى أين نذهب؟ وقبل كل ذلك يجب أن نعرف جيدًا: أين نحن؟!
في النهاية، العبرة ليست بالسنوات التي عشتها. بل في نبض الحياة في تلك السنوات.
ابراهام لينكولن
إن كان كل ما سبق صحيحًا...
فهل ترى الحياة كما ينبغي أن تراها؟
هل تعرف نفسك كما ينبغي أن تعرف نفسك؟